الرحيق المختوم‎]‎1‎[‎ لفضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله بين يدي الكتاب كلـمـة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف كلـمـة معالي الشيخ محمد بن على الحركان كلمة المؤلف بين يدي الكتاب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد أفضل الرسل وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدي بهديه إلى يوم الدين‏.‏ وبعـــد‏:‏ فهذا الكتاب هو الذي أسهمت به في مسابقة السيرة النبوية العالمية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي، وأعلنت عنها عقب أول مؤتمر للسيرة النبوية الذي عقدته دولة باكستان في شهر ربيع الأول عام 1396هـ‏.‏ وقد قدر الله لهذا الكتاب من القبول ما لم أكن أرجوه وقت الكتابة، فقد نال المركز الأول في المسابقة، وأقبل عليه الخاصة والعامة إقبالا يغتبط عليه‏.‏ وكان من حديث هذا الكتاب أني لم أطلع على إعلان الرابطة عن المسابقة في وقته، ولما أخبرت به بعد حين لم أمِلْ إلى الإسهام فيها، بل رفضت هذا الاقتراح رفضًا كليًا إلا أن القدر ساقني إلى ذلك‏.‏ وكان آخر موعد لتلقي بحوث المسابقة واستقبالها عند الرابطة أول شهر محرم من العام القادم 1397هـ، أي نحو تسعة أشهر من وقت الإعلان، وقد ضاعت مني من ذلك عدة أشهر، والمدة الباقية لم تكن تكفي لإعداد مثل هذا الكتاب، ولكن لما عزمت على ذلك استعنت الله سبحانه وتعالى، وشمرت عن ساق الجد، حتى تم إنجازه وإرساله في الموعد‏.‏ وكنت أعاني ـ مع ضيق الوقت والاشتغال بأعمال أخري ـ قلة المصادر، وعدم القدرة على مراجعة كل ما هو موجود، وكانت الدقة مطلوبة عندي بصفة خاصة مع تجنب الحشو والزوائد، والإحاطة بالموضوع بقدر الإمكان، وقد مررت بأماكن شعرت فيها بشيء من الفجوة والفراغ، وبحاجة إلى إضافات لم تكن في مستطاعي في ذلك الحين‏.‏ فكل ما كان بالإمكان هو التسويد السريع لما هو موجود، ثم نسخه أو استنساخه بغير مراجعة أو تنقيح‏.‏ وقد بقيت في النفس رغبة إلى ملء تلك الفجوة والفراغ وإضافة بعض الزيادات فيما بعد، ولكن مضت الأيام والأعوام ولم يقدر لي ذلك، حتى تَقادم العَهْدُ وانفلت الزمامُ، وكنت أحيانًا أثبت في الكتاب أشياء، وربما أقدم أو أؤخر، أو أضـيف أو أعدل أشياء، وهي وإن لم تكن عين ما كانت تتحدث به النفس عند التأليف، لكنها مهمة ومفيدة في السيرة إن شاء الله ، وكذلك اطلعت على مصادر قديمـة أغنتـني إلى حــد كبير عـما كـنت أحَلْتُ إليه من المراجع الحديثة، فأدخلت كل ذلك في هذه الطبعة بتوفيـق الله ‏.‏ وقد كنت أرجو ظهور بعض الملحوظات العلمية القيمة، أستفيد بها في صلب بعض الموضوعات، لكن الذي وصلني منها لا يمس الجوهر، وإنما يمس بعض الأمور الجانبية التي لا تقدم ولا تؤخر، يضاف إلى ذلك أن معظمها خطأ واضح، بل تَخَبُّطٌ غريب لم يكن يُرْجَي مثله من عامة الدارسين، فضلًا عن أصحاب التخصص‏.‏ وهذه الطبعة التي تتضمن هذه الإضافات والتغييرات تكون أفضل وأكثر فائدة من الطبعات السابقة إن شاء الله ، وهي الطبعة الشرعية الوحيدة مع تلك الإضافات والتعديلات‏.‏ وقد طبع الكتاب قبل ذلك من جهة الرابطة عدة طبعات، كما طبعه بعض الإخوان بإذن من المؤلف، ولكن هناك عشرات الطبعات كلها غير شرعية قام بها الناشرون بغير إذن من المؤلف ولا إشعار له، مستغلين سمعة الكتاب‏.‏ وقد بلغت الجرأة ببعضهم إلى أنه احتفظ بجميع حقوق الكتاب لنفسه، فهداهم الله للحق، ولإيصال الحقوق إلى أهلها قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال‏.‏ وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وبارك وسلم‏.‏ 18 ربيع الأول 1415هـ 26 أغسطس 1994م صفي الرحمن المباركفوري الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة كلـمـة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أدي الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عن كل من تبع سنته وعمل بها إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورضاك يا أرحم الراحمين‏.‏ أما بعد‏:‏ فإن السنة النبوية المطهرة ـ وهي العطاء المتجدد والزاد الباقي إلى يوم الدين، والتي يتسابق المتسابقون، ويتنافس المتنافسون إلى الحديث عنها وكتابة الكتب والأسفار في مواضيعها منذ بعث صلى الله عليه وسلم حتى تقوم الساعة ـ تضع للمسلمين النموذج العملي والبرنامج الواقعي لما ينبغي أن يكون عليه سلوكهم وأفعالهم وأقوالهم وعلاقاتهم بربهم، ثم بأهلهم وعشيرتهم وإخوانهم وأمتهم والناس أجمعين‏.‏ وقد قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله ِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله َ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله َ كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 21‏]‏‏.‏ وقالت السيد عائشة ـ رضوان الله عليها ـ عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كان خلقه القرآن‏)‏‏.‏ فلا ريب إذن أنه لابد لمن أراد النجاة من هذه الدنيا باتباع المنهج الرباني في جميع شئون آخرته ودنياه وأن يتأسي بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بالسيرة النبوية تفكرًا وتدبرًا على أنها هذا المنهج الرباني القويم عاشه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعًا عمليّا في جميع شئون الحياة، ففيها الهدي والرشاد للقادة والمقودين والحكام والمحكومين والمرشدين والموجهين والمجاهدين، وفيها الأسوة الحسنة في جميع المجالات‏:‏ في السياسة والحكم والاقتصاد والمال والاجتماع والعلاقات الإنسانية والأخلاق الفاضلة والعلاقات الدولية، فما أحرى المسلمين اليوم ـ وقد انحدروا في مهاوي الجهالة والتخلف لابتعادهم عن هذه المنهج ـ أن يعودوا إلى صوابهم وأن يقدموا السيرة النبوية في مناهجهم الدراسية ومنتدياتهم المختلفة على أنها ليست للمتعة الفكرية وحسب، بل فيها طريق العودة إلى الله ، وفيها إصلاح الناس وفلاحهم، فهي الأسلوب العلمي لترجمة كتاب الله عزّ وجلّ سلوكًا وأخلاقًا، حتى يصبح المؤمن محتكمًا إلى شريعة الله سبحانه وتعالي ومحكمًا لها في جميع شئون الناس‏.‏ وهذا الكتاب ‏[‏الرحيق المختوم‏]‏ جهد رائع وعمل مشكور لمؤلفه فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري الذي استجاب لدعوة رابطة العالم الإسلامي في مسابقة السيرة النبوية التي نظمتها عام 1396هـ، ففاز بالجائزة الأولى كما هو مذكور في مقدمة الطبعة الأولى لفضيلة الشيخ محمد على الحركان ـ رحمه الله ـ الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي تغمده الله برحمته وجزاه عنا خير الجزاء‏.‏ وقد كان إقبال الناس عظيمًا وثناؤهم عطرًا على هذا الكتاب، وقد نفدت نسخ الطبعة الأولى بالكامل، وطلب مني التقديم للطبعة الثالثة فاستجبت له بهذه المقدمة الوجيزة، سائلًا المولي عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين نفعًا يؤدي إلى تغيير واقعهم إلى الأفضل، وأن يعيد للأمة الإسلامية مجدها المفقود ومكانتها في قيادة الأمم عملًا بقوله عز وجل‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏‏.‏ وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين، رسول الهدى ومرشد الإنسانية إلى طريق النجاة والفلاح، وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏ د‏.‏ عبد الله عمر نصيف الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي ‏[‏سابقًا‏]‏ نائب الرئيس لمجلس الشوري المملكة العربية السعودية كلـمـة معالي الشيخ محمد بن على الحركان ـ رحمه الله ـ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الحمد لله رب العالمين، خالق السموات والأرض، وجاعل الظلمات والنور، وصلي الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والرسل أجمعين، بشّر وأنذر، ووعد وأوعد، أنقذ الله به البشر من الضلالة، وهدي الناس إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور‏.‏ وبعــد‏:‏ فلما أعطى الله سبحانه وتعالي لرسوله الشفاعة والدرجة الرفيعة، وهدي المسلمين إلى محبته، وجعل اتباعه من محبته تعالى فقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله َ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏]‏، فكان هذا من الأسباب التي صيرت القلوب تهفو إلى محبته صلى الله عليه وسلم، وتتلمس الأسباب التي توثق الصلة فيما بينها وبينه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فمنذ فجر الإسلام والمسلمون يتسابقون إلى إبراز محاسنه، ونشر سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم، وسيرته صلى الله عليه وسلم هي أقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة، فقد قالت السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏كان خلقه القرآن‏)‏، والقرآن كتاب الله وكلماته التامة، ومن كان كذلك كان أحسن الناس وأكملهم وأحقهم بمحبة خلق الله جميعًا‏.‏ ولم يَزَلِ المسلمون متمسكين بهذه المحبة الغالية التي انبثق عنها المؤتمر الإسلامي الأول للسيرة النبوية الشريفة الذي عقد بباكستان سنة 1396هـ، حيث أعلنت الرابطة في هذا المؤتمر عن جوائز مالية مقدارها مائة وخمسون ألف ريال سعودي توزع على أحسن خمسة بحوث في السيرة النبوية بالشروط الآتية‏:‏ 1 ـ أن يكون البحث متكاملًا مع ترتيب الحوادث التاريخية حسب وقوعها‏.‏ 2 ـ أن يكون جيدًا ولم يسبق نشره من قبل‏.‏ 3 ـ أن يذكر الباحث جميع المخطوطات والمصادر العلمية التي اعتمد عليها في كتابة البحث‏.‏ 4 ـ أن يكتب الباحث ترجمة كاملة ومفصلة عن حياته مع ذكر مؤهلاته العلمية ومؤلفاته إن وجدت‏.‏ 5 ـ أن يكتب البحث بخط واضح، ويستحسن نسخه على الآلة الكاتبة‏.‏ 6 ـ تقبل البحوث باللغة العربية واللغات الحية الأخري‏.‏ 7 ـ يبدأ قبول البحوث من غرة ربيع الثاني 1396هـ، وينتهي موعد القبول بغرة محرم 1397هـ‏.‏ 8 ـ تسلم البحوث إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في ظرف مختوم، وتضع الأمانة عليه رقمًا تسلسليًا خاصًا‏.‏ 9 ـ تقوم بفحص البحوث لجنة عليا من كبار العلماء في هذ الشأن‏.‏ فكان هذا الإعلان حافزًا لتسابق العلماء الذين وهبهم الله حب رسوله صلى الله عليه وسلم، واستعدت رابطة العالم الإسلامي لاستقبال هذه البحوث باللغات العربية والإنجليزية والأردية وأية لغة أخري‏.‏ وبدأ الإخوان الكرام في إرسال بحوثهم بهذه اللغات، وقد بلغ عددها واحدًا وسبعين ومائة بحث منها‏:‏ 84 بحثًا باللغة العربية، 64 بحثًا باللغة الأردية، 21 بحثًا باللغة الإنجليزية، وبحث واحد فقط باللغة الفرنسية، وبحث واحد فقط باللغة الهوساوية‏.‏ وقد كونت الرابطة لجنة من كبار العلماء لدراسة هذه البحوث وترتيبها حسب استحقاق الفائز للجائزة، وقد كان الفائزون بالجوائز حسب الترتيب الآتي‏:‏ 1 ـ الفائز بالجائزة الأولى الشيخ صفي الرحمن المباركفوري من الجامعة السلفية بالهند، ومقدار جائزته خمسون ألف ريال سعودي‏.‏ 2 ـ الفائز بالجائزة الثانية الدكتور ماجد على خان من الجامعة الملية الإسلامية نيودلهي، الهند، ومقدار جائزته أربعون ألف ريال سعودي‏.‏ 3 ـ الفائز بالجائزة الثالثة الدكتور نصير أحمد ناصر رئيس الجامعة الإسلامية بباكستان، ومقدار جائزته ثلاثون ألف ريال سعودي‏.‏ 4 ـ الفائز بالجائزة الرابعة الأستاذ حامد محمود محمد منصور ليمود من جمهورية مصر العربية، ومقدار جائزته عشرون ألف ريال سعودي‏.‏ 5 ـ الفائز بالجائزة الخامسة الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ من المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ومقدار جائزته عشرة آلاف ريال سعودي‏.‏ وقد أعلنت الرابطة أسماء الفائزين في المؤتمر الإسلامي الآسيوي الأول الذي عقد في كراتشي في شهر شعبان سنة 1398هـ‏.‏ كما أعلن عن ذلك في جميع الصحف‏.‏ وبهذه المناسبة أقامت الأمانة العامة للرابطة بمقرها بمكة المكرمة حفلًا كبيرًا تحت إشراف صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة، نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، حيث تفضل سموه بتوزيع الجوائز على أصحابها، وذلك صباح يوم السبت الموافق 12 ربيع الأول سنة 1399هـ‏.‏ وفي هذا الحفل أعلنت الأمانة العامة أنها ستقوم بطبع البحوث الفائزة ونشرها بعدة لغات، وتنفيذًا لذلك ها هي ذي تضع بين يدي القارئ الكريم باكورة طبعات تلك البحوث، وهو بحث الشيخ/ صفي الرحمن المباركفوري، من الجامعة السلفية بالهند؛ لأنه الفائز بالجائزة الأولي، وستوالي طبع بقية البحوث الفائزة حسب ترتيبها، سائلين الله سبحانه وتعالي أن يتقبل منا جميعًا أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه نعم المولي ونعم النصير‏.‏ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏ محمد بن على الحركان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة المؤلف الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله، فجعله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وجعل فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا‏.‏ الله م صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفجّر لهم ينابيع الرحمة والرضوان تفجيرا‏.‏ وبعـد‏:‏ فإن من دواعي الغبطة والسرور أن رابطة العالم الإسلامي أعلنت عقب مؤتمر السيرة النبوية الذي عقد في باكستان في شهر ربيع الأول من سنة 1396هـ عن تنظيم مسابقة علمية عالمية؛ لتقديم أحسن بحث في موضوع السيرة النبوية ـ على صاحبها ألف ألف صلاة وسلام وتحية ـ وذلك تنشيطًا للكاتبين، وتنسيقا لجهودهم الفكرية‏.‏ وإني أري أن هذا العمل له قيمة كبيرة ربما لا يحيط بوصفه البيان‏.‏ فإن السيرة النبوية والأسوة المحمدية ـ على صاحبها ما يستحق من الصلاة والسلام ـ إذا لاحظناها بعين الدقة والاعتبار هي المنبع الوحيد الذي تتفجر منه ينابيع حياة العالم الإسلامي وسعادة المجتمع البشري‏.‏ وإن من سعادتي وحسن حظي أن أقدم بحثًا أسهم به في تلك المسابقة المباركة، ولكن أين أنا حتى ألقي ضوءًا على حياة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم‏.‏ وإنما أنا رجل يري لنفسه كل السعادة والفلاح أن يقتبس من نوره، حتى لا يتهالك في دياجير الظلمات، بل يحيا وهو من أمته، ويموت وهو من أمته، ويغفر الله له ذنوبه بشفاعته‏.‏ ومن منهجي في هذا الكتاب ـ عدا ما جاء في إعلان الرابطة ـ أني قررت سلوك سبيل الاعتدال، متجنبًا التطويل الممل والإيجاز المخل، وقد وجدت المصادر تختلف فيما بينها حول كثير مما يتعلق بالأحداث اختلافًا لا يحتمل الجمع والتوفيق، فاخترت سبيل الترجيح، وأثبت في الكتاب ما ترجح لدي بعد التدقيق في الدراسة والنقد، إلا أني طويت ذكر الدلائل والوجوه؛ لأن ذلك يفضي إلى طول غير مطلوب‏.‏ أما بالنسبة لقبول الروايات وردها فقد استفدت في ذلك مما كتبه الأئمة المتقنون، واعتمدت عليهم فيما حكموا به من الصحة والحسن والضعف؛ إذ لم أجد وقتًا يكفي للخوض في هذا المجال‏.‏ وقد أشرت في بعض المواضع إلى بعض الدلائل ووجوه الترجيح، وذلك حينما خِفْتُ الاستغراب ممن يقرأ الكتاب، أو رأيت شبه الاتفاق فيما بين الأولين والآخرين على خلاف ما هو الصواب‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏ الله م قدر لي الخير في الدنيا والآخرة، إنك أنت الغفور الودود، ذو العرش المجيد‏.‏ صفي الرحمن المباركفوري بنارس ـ الهند العرب، الأرض والشعب، الحكم والاقتصاد، الديانة موقع العرب وأقوامها إن السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا وفعلًا، وتوجيها وسلوكًا، وقلب بها موازين الحياة، فبدل مكان السيئة الحسنة، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله ، حتى عدل خط التاريخ وَغيَّر مجرى الحياة في العالم الإنساني، ولا يتم إحضار هذه الصورة الرائعة إلا بعد المقارنة بين البيئة التي سبقت هذه الرسالة وبين ما آلت إليه بعدها‏.‏ وهذا يقتضي تقديم فصول موجزة عن أقوام العرب وتطوراتها قبل الإسلام، وعن تاريخ الحكومات والإمارات والنظم القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان، مع صور من الديانات والمِلَل والنِّحَل والعادات والتقاليد، والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية‏.‏ وقد خصصنا لكل من ذلك هذا الباب، وإليكم تلك الفصول‏:‏ موقع العرب كلمة العرب تنبيء عن الصحارى والقِفَار، والأرض المُجْدِبة التي لا ماء فيها ولا نبات‏.‏ وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب، كما أطلق على قوم قَطَنُوا تلك الأرض واتخذوها موطنا لهم‏.‏ وجزيرة العرب يحدها غربًا البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء، وشرقًا الخليج العربى وجزء من بلاد العراق الجنوبية، وجنوبًا بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند، وشمالًا بلاد الشام وجزء من بلاد العراق، على اختلاف في بعض هذه الحدود، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثلاثمائة ألف ميل مربع‏.‏ ولجزيرة العرب أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي؛ فإنها في وضعها الداخلي محاطة بالصحاري والرمال من كل جانب؛ ولأجل هذا الوضع صارت الجزيرة حصنًا منيعًا لم يستطع الأجانب أن يحتلوها ويبسطوا عليها سيطرتهم ونفوذهم‏.‏ ولذلك نرى سكان الجزيرة أحرارًا في جميع الشئون منذ أقدم العصور، مع أنهم كانوا مجاورين لإمبراطوريتين عظيمتين لم يكونوا يستطيعون دفع هجماتهما لولا هذا السد المنيع‏.‏ وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم، وتلتقى به برًا وبحرًا، فإن ناحيتها الشمالية الغربية باب للدخول في قارة إفريقية، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوربا، والناحية الشرقية تفتح أبواب العجم؛ ومن ثم آسيا الوسطى وجنوبها والشرق البعيد، وكذلك تلتقي كل قارة بالجزيرة بحرًا، وترسى سفنها وبواخرها على ميناء الجزيرة رأسًا‏.‏ ولأجل هذا الوضع الجغرافي كان شمال الجزيرة وجنوبها موئلًا للأمم، ومركزًا لتبادل التجارة، والثقافة، والديانة، والفنون‏.‏ أقوام العرب وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها‏:‏ 1 ـ العرب البائدة‏:‏ وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تمامًا ولم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل‏:‏ عاد، وثمود، وطَسْم، وجَدِيس، وعِمْلاق، وأُمَيْم، وجُرْهُم، وحَضُور، ووَبـَـار، وعَبِيل، وجاسم، وحَضْرَمَوت، وغيرها‏.‏ 2 ـ العرب العاربة‏:‏ وهم العرب المنحدرة من صلب يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وتسمى بالعرب القحطانية‏.‏ 3 ـ العرب المستعربة‏:‏ وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية‏.‏ أما العرب العاربة ـ وهي شعب قحطان ـ فمَهْدُها بلاد اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏ فاشتهرت منها قبيلتان‏:‏ حِمْيَر بن سبأ، وكَهْلان بن سبأ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم أحـد عشـر أو أربعة عشـر بطنًا ـ فيقال لهم‏:‏ السبئيون، وليست لهم قبائل دون سبأ‏.‏ أ ـ فأما حمير فأشهر بطونها‏:‏ 1 ـ قُضَاعة‏:‏ ومنها بَهْراء وَبِلىٌّ والقَيْن وكَلْب وعُذْرَة ووَبَرَة‏.‏ 2 ـ السَّكاسِك‏:‏ وهـم بنو زيـد بـن وائلة بن حمير، ولقب زيد‏:‏ السكاسك، وهي غير سكاسك كِنْدة الآتية في بنى كَهْلان‏.‏ 3 ـ زيــد الجمهــور‏:‏ ومنها حمير الأصغر، وسبأ الأصغر، وحضور، وذو أصبح‏.‏ ب ـ وأما كَهْلان فأشهر بطونها‏:‏ هَمْدان، وألْهَان، والأشْعَر، وطيئ، ومَذْحِج ‏[‏ومن مذحج‏:‏ عَنْس والنَّخْع‏]‏، ولَخْم ‏[‏ومن لخم‏:‏ كندة، ومن كندة‏:‏ بنو معاوية والسَّكُون والسكاسك‏]‏، وجُذَام، وعاملة، وخَوْلان، ومَعَافِر، وأنمار ‏[‏ومن أنمار‏:‏ خَثْعَم وبَجِيلَةَ، ومن بجيلة‏:‏ أحْمَس‏]‏ والأزْد، ‏[‏ومن الأزد‏:‏ الأوس، والخزرج، وخُزَاعة، وأولاد جَفْنَة ملوك الشام المعروفون بآل غسان‏]‏‏.‏ وهاجرت بنو كهلان عن اليمن، وانتشرت في أنحاء الجزيرة، يقال‏:‏ كانت هجرة معظمهم قبيل سَيْل العَرِم حين فشلت تجارتهم لضغط الرومان وسيطرتهم على طريق التجارة البحرية، وإفسادهم طريق البر بعد احتلالهم بلاد مصر والشام‏.‏ ويقال‏:‏ بل إنهم هاجروا بعد السيل حين هلك الحرث والنسل بعد أن كانت التجارة قد فشلت، وكانوا قد فقدوا كل وسائل العيش، ويؤيده سياق القرآن ‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ ‏[‏سورة سبأ‏:‏15‏:‏ 19‏]‏ ولا غرو إن كانت هناك ـ عدا ما تقدم ـ منافسة بين بطون كهلان وبطون حمير أدت إلى جلاء كهلان، فقد يشير إلى هذا بقاء حمير مع جلاء كهلان‏.‏ ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون كهلان إلى أربعة أقسام‏:‏ 1 ـ الأزْد‏:‏ وكانت هجرتهم على رأى سيدهم وكبيرهم عمران بن عمرو مُزَيْقِياء، فساروا يتنقلون في بلاد اليمن ويرسلون الرواد، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال والشرق‏.‏ وهاك تفصيل الأماكن التي سكنوا فيها بعد الرحلة نهائيًا‏:‏ نزل عمران بن عمرو في عُمَان، واستوطنها هو وبنوه، وهم أزْد عُمَان‏.‏ واستوطنت بنو نصر بن الأزد تُهامة، وهم أزد شَنُوءة‏.‏ وعَطَف ثَعْلَبة بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز، فأقام بين الثعلبية وذى قار، ولما كبر ولده وقوى ركنه سار نحو المدينة، فأقام بها واستوطنها، ومن أبناء ثعلبة هذا‏:‏ الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة‏.‏ وتنقل منهم حارثة بن عمرو ـ وهو خزاعة ـ وبنوه في ربوع الحجاز، حتى نزلوا بمر الظهران، ثم افتتحوا الحرم فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة‏.‏ وسار جَفْنَة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه، وهو أبو الملوك الغساسنة؛ نسبة إلى ماء في الحجاز يعرف بغسان، كانوا قد نزلوا بها أولًا قبل انتقالهم إلى الشام‏.‏ وانضمت البطون الصغيرة إلى هذه القبائل في الهجرة إلى الحجاز والشام، مثل كعب بن عمرو، والحارث بن عمرو، وعوف بن عمرو‏.‏ 2 ـ لَخْم وجُذَام‏:‏ انتقلوا إلى الشرق والشمال، وكان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة‏.‏ 3 ـ بنو طَيِّئ‏:‏ ساروا بعد مسير الأزد نحو الشمال حتى نزلوا بالجبلين أجأ وسلمى، وأقاموا هناك، حتى عرف الجبلان بجبلى طيئ‏.‏ 4 ـ كِنْدة‏:‏ نزلوا بالبحرين، ثم اضطروا إلى مغادرتها فنزلوا بـ‏[‏حضرموت‏]‏، ولاقـوا هنـاك ما لاقوا بالبحرين، ثم نزلوا نجدًا، وكونوا هناك دولة كبيرة الشأن، ولكنها سرعان ما فنيت وذهبت آثارها‏.‏ وهناك قبيلة من حمير مع اختلاف في نسبتها إليه ـ وهي قضاعة ـ هجرت اليمن واستوطنت بادية السماوة من مشارف العراق، واستوطن بعض بطونها مشارف الشام وشمالي الحجاز‏.‏ وأما العرب المستعربة، فأصل جدهم الأعلى ـ وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام ـ من بلاد العراق، من مدينة يقال لها‏:‏ ‏[‏أر‏]‏ على الشاطئ الغربي من نهر الفرات، بالقرب من الكوفة، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن هذه المدينة، وعن أسرة إبراهيم عليه السلام، وعن الأحوال الدينية والاجتماعية في تلك البلاد‏.‏ ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حَرَّان، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وكانت له جولات في أرجائها وأرجاء غيرها من البلاد، وفي إحدى هذه الجولات أتى إبراهيم عليه السلام على جبار من الجبابرة، ومعه زوجته سارة، وكانت من أحسن النساء، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها، ولكن سارة دعت الله تعالى عليه فرد الله كيده في نحره، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند الله ، فأخدمها هاجر اعترافًا بفضلها، أو خمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق، فقال‏:‏ ‏(‏إزاري، إزاري‏)‏ فشد عليه إزاره‏.‏ وفي رواية‏:‏ فما رؤيت له عورة بعد ذلك‏.‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأعزهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا وأكرمهم خيرًا، وأبرهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه‏:‏ ‏[‏الأمين‏]‏ لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق‏.‏ حياة النبـوة و الرسـالة والدعـوة النبــوة والدعــوة - العهـد المكـي في ظلال النبوة والرسالة المرحلة الأولى: من جهاد الدعوة إلي الله ________________________________________ النبــوة والدعــوة - العهـد المكـي تنقسم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن شرفه الله بالنبوة والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن الآخـر تمـام الامتياز، وهما‏:‏ 1 ـ العهد المكي، ثلاث عشرة سنة تقريبًا‏.‏ 2 ـ العهد المدني، عشر سنوات كاملة‏.‏ ثم يشتمل كل من العهدين على عدة مراحل، لكل مرحلة منها خصائص تمتاز بها عن غيرها، يظهر ذلك جليًا بعد النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خلال العهدين‏.‏ ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثلاث مراحل‏:‏ 1 ـ مرحلة الدعوة السرية، ثلاث سنوات‏.‏ 2 ـ مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‏.‏ 3 ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة‏.‏ وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم‏.‏ أما مراحل العهد المدني فسيجيء تفصيلها في موضعه‏.‏ في ظلال النبوة والرسالة في غار حراء لما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم الأربعين، وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السَّوِيق والماء، ويذهب إلى غار حراء في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة ـ وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع ذراع من ذراع الحديد ـ فيقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج محدد، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه‏.‏ وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفًا من تدبير الله له، وليكون انقطاعه عن شواغل الأرض وضَجَّة الحياة وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة نقطة تحول لاستعداده لما ينتظره من الأمر العظيم، فيستعد لحمل الأمانة الكبرى وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ‏.‏‏.‏‏.‏ دبر الله له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، ينطلق في هذه العزلة شهرًا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله ‏.‏ جبريل ينزل بالوحي ولما تكامل له أربعون سنة ـ وهي رأس الكمال، وقيل‏:‏ ولها تبعث الرسل ـ بدأت طلائع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجرًا بمكة كان يسلم عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر ـ ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ـ فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى الله عليه وسلم بحراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن‏.‏ وبعد النظر والتأمل في القرائن والدلائل يمكن لنا أن نحدد ذلك اليوم بأنه كان يوم الاثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان ليلًا، وقد وافق 10 أغسطس سنة 610 م، وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك بالضبط أربعين سنة قمرية، وستة أشهر، و12 يومًا، وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر وعشرين يومًا‏.‏ ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي الله عنها تروى لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت عائشة رضي الله عنها‏.‏ أول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيَتَحَنَّث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال‏:‏ اقرأ‏:‏ قال‏:‏ (‏ما أنا بقارئ‏)‏، قال‏:‏ (‏فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال‏:‏ اقرأ، قلت‏:‏ مـا أنـا بقـارئ، قـال‏:‏ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ، فقلت‏:‏ ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏}‏‏[‏العلق‏:‏1‏:‏ 3‏]‏‏)‏، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال‏:‏ (‏زَمِّلُونى زملونى‏)‏، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة‏:‏ (‏ما لي‏؟‏‏)‏ فأخبرها الخبر، (‏لقد خشيت على نفسي‏)‏، فقالت خديجة‏:‏ كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي ـ فقالت له خديجة‏:‏ يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة‏:‏ يابن أخي، ماذا ترى‏؟‏ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة‏:‏ هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏أو مخرجيّ هم‏؟‏‏)‏ قال‏:‏نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحى‏.‏ فَتْرَة الوحى أما مدة فترة الوحى فاختلفوا فيها على عدة أقوال‏.‏ والصحيح أنها كانت أيامًا، وقد روى ابن سعد عن ابن عباس ما يفيد ذلك‏.‏ وأما ما اشتهر من أنها دامت ثلاث سنوات أو سنتين ونصفًا فليس بصحيح‏.‏ وقد ظهر لى شىء غريب بعد إدارة النظر في الروايات وفي أقوال أهل العلم‏.‏ ولم أر من تعرض له منهم، وهو أن هذه الأقوال والروايات تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور بحراء شهرًا واحدًا، وهو شهر رمضان من كل سنة، وذلك من ثلاث سنوات قبل النبوة،وأن سنة النبوة كانت هي آخر تلك السنوات الثلاث، وأنه كان يتم جواره بتمام شهر رمضان، فكان ينزل بعده من حراء صباحًا ـ أي لأول يوم من شهر شوال ـ ويعود إلى البيت‏.‏ وقد ورد التنصيص في رواية الصحيحين على أن الوحى الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفترة إنما نزل وهو صلى الله عليه وسلم راجع إلى بيته بعد إتمام جواره بتمام الشهر‏.‏ أقول‏:‏ فهذا يفيد أن الوحى الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفترة إنما نزل في أول يوم من شهر شوال بعد نهاية شهر رمضان الذي تشرف فيه بالنبوة والوحى؛ لأنه كان آخر مجاورة له بحراء، وإذا ثبت أن أول نزول الوحى كان في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان فإن هذا يعنى أن فترة الوحى كانت لعشرة أيام فقط‏.‏ وأن الوحى نزل بعدها صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة‏.‏ ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم‏.‏ وقد بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيبًا محزونًا تعتريه الحيرة والدهشة، فقد روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه‏:‏ وفتر الوحي فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنًا عدا منه مرارًا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوْفي بذِرْوَة جبل لكى يلقى نفسه منه تَبدَّى له جبريل فقال‏:‏ يا محمد، إنك رسول الله حقًا، فيسكن لذلك جأشه، وتَقَرّ نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك، فإذا أوفي بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك‏.‏ جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية قال ابن حجر‏:‏ وكان ذلك ‏[‏أي انقطاع الوحي أيامًا‏]‏؛ ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجىء الوحى أكرمه الله بالوحي مرة ثانية‏.‏ قال‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جوارى هبطت ‏[‏فلما استبطنت الوادي‏]‏ فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أرشيئًا، فرفعت رأسى فرأيت شيئًا، ‏[‏فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فَجُئِثْتُ منه رعبًا حتى هويت إلى الأرض‏]‏ فأتيت خديجة فقلت‏:‏ ‏[‏زملوني، زملوني‏]‏، دثرونى، وصبوا على ماء باردًا‏)‏، قال‏:‏ (‏فدثرونى وصبوا على ماء باردًا، فنزلت‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏:‏ 5‏]‏‏)‏ وذلك قبل أن تفرض الصلاة، ثم حمى الوحى بعد وتتابع‏.‏ وهذه الآيات هي مبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم وهي متأخرة عن النبوة بمقدار فترة الوحى‏.‏ وتشتمل على نوعين من التكليف مع بيان ما يترتب عليه‏:‏ النوع الأول‏:‏ تكليفه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ والتحذير، وذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُمْ فَأَنذِرْ‏}‏ فإن معناه‏:‏ حذر الناس من عذاب الله إن لم يرجعوا عما هم فيه من الغى والضلال وعبادة غير الله المتعال، والإشراك به في الذات والصفات والحقوق و الأفعال‏.‏ النوع الثاني‏:‏ تكليفه صلى الله عليه وسلم بتطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى على ذاته، والالتزام بها في نفسه؛ ليحرز بذلك مرضاة الله ، ويصير أسوة حسنة لمن آمن بالله وذلك في بقية الآيات‏.‏ فقوله‏:‏ ‏{‏وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ‏}‏ معناه‏:‏ خصه بالتعظيم، ولا تشرك به في ذلك أحدًا‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏ المقصود الظاهر منه‏:‏ تطهير الثياب والجسد، إذ ليس لمن يكبر الله ويقف بين يديه أن يكون نجسًا مستقذرًا‏.‏ وإذا كان هذا التطهر مطلوبًا فإن التطهر من أدران الشرك وأرجاس الأعمال والأخـلاق أولـى بالطـلب، وقولــه‏:‏ ‏{‏وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ معناه‏:‏ ابتعد عن أسباب سخط الله وعذابه، وذلك بالتزام طاعته وترك معصيته‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ‏}‏ أي‏:‏ لا تحسن إحسانًا تريد أجره من الناس أو تريد له جزاء أفضل في هذه الدنيا‏.‏ أما الآية الأخيرة ففيها تنبيه على ما يلحقه من أذى قومه حين يفارقهم في الدين ويقوم بدعوتهم إلى الله وحده وبتحذيرهم من عذابه وبطشه، فقال‏:‏ ‏{‏وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ‏}‏، ثم إن مطلع الآيات تضمنت النداء العلوى ـ في صوت الكبير المتعال ـ بانتداب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر الجلل، وانتزاعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ‏}‏، كأنه قيل‏:‏ إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، أما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم‏؟‏ وما لك والراحة‏؟‏ وما لك والفراش الدافئ‏؟‏ والعيش الهادئ‏؟‏ والمتاع المريح‏!‏ قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب، والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل، والجهاد الطويل الشاق، قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد‏.‏ إنها كلمة عظيمة رهيبة تنزعه صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ، لتدفع به في الخضم، بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء‏.‏ وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا؛ لم يسترح ولم يسكن، ولم يعـش لنفسه ولا لأهله‏.‏ قام وظل قائمًا على دعوة الله ، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عامًا؛ لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوى الجليل، وتلقى منه التكليف الرهيب‏.‏‏.‏‏.‏ جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء‏.‏ وليست الأوراق الآتية إلا صورة مصغرة بسيطة من هذا الجهاد الطويل الشاق الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال هذا الأمد‏.‏ أقسام الوحى وقبل الدخول في موضوع هذا الجهاد أرى من الأحسن أن أستطرد إلى بيان أقسام الوحى ومراتبه‏.‏ قال ابن القيم، وهو يذكر تلك المراتب‏:‏ إحداها‏:‏ الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم‏.‏ الثانية‏:‏ ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏إن روح القدس نفث في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته‏)‏‏.‏ الثالثة‏:‏ إنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلًا فيخاطبه حتى يَعِىَ عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا‏.‏ الرابعة‏:‏ أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه ليتَفَصَّد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحى مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها‏.‏ الخامسة‏:‏ إنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحى إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم‏.‏ السادسة‏:‏ ما أوحاه الله إليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها‏.‏ السابعة‏:‏ كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن‏.‏ وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء‏.‏ وقـد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي تكليم الله له كفاحًا من غير حجاب، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف‏.‏ انتهي مع تلخيص يسير في بيان المرتبة الأولى والثامنة‏.‏‎ تحياتي ®ДIşЂIαIє alshlale@nimbuzz wWw.KoRe.xTgEm.cOm